منتدى الجوهرة للتعليم
https://2img.net/r/ihimg/photo/my-images/545/46412022.png/
منتدى الجوهرة للتعليم
https://2img.net/r/ihimg/photo/my-images/545/46412022.png/
منتدى الجوهرة للتعليم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الجوهرة للتعليم

منتدى الجوهرة للتعليم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الهـــدهــــد

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
وردة الأمل
نائبة المديرة
نائبة المديرة
وردة الأمل


انثى
تاريخ التسجيل : 03/12/2011
العمر : 34

الهـــدهــــد Empty
مُساهمةموضوع: الهـــدهــــد   الهـــدهــــد Emptyالجمعة مارس 30, 2012 6:05 pm

كانت رائحة الطين المجبول بقش التبن عصرأ ، تفوح منه رائحة نفاذة تشبه بول البقر ،

تصل الرائحة شبابيك البيوت القريبة من دار "مطاوع " كان مطاوع يجبل الطين بالتبن كل يومين او ثلاثة ، الطين المجبول المختمر، يعيد خلطه وعجنه لصبه في قوالب طوب ،للبيع لبناء غرفٍ في المخيم بدلا من الخيام الممزقة المهترئة .

كان " مطاوع " نحيل الجسم ، يلف رأسه ووجهه صيفأ وشتاءأ بكوفية منقطة لا يُعرف لها لون من اتساخها ببقع الطين ، وحبات العرق المندلق تحت الكوفية ، ينتعل في رجليه جزمة طويلة ، تصل فوهتها الى ركبتيّه تتسرب منها رائحة غريبة اقوى من رائحة بول البقر وروثه ،كفُّ يده اليمنى لا يفتحها ، لا يتحرك منها سوى ابهامه ، كان "مطاوع " يصب الطين بالقوالب عند الفجر، وَيصُفُّ الطوب بعد جفافه ،في أسطر متتابعة طوبة ً طوبة ، لا يساعده في عمله الشاق سوى ابنه ( احمد) وحيد والديه ، جرب الشقاء مع والده من طفولته الهشة، التي بدأت مع الطين والطوب ، البيت على مسافة امتار من تل عجينة الطين ، ساحته الامامية وغرفة منه مكدسة بأكياس التبن ، يلهو احمد ويلعب فوق الاكياس، حتى ينتهي والده من صبِ الطوب ، يسرق احمد النظر بين الاكياس الى صبيان الحارة بلهفة للعب معهم ، او مرافقتهم الى المقبرة المجاورة لبيوتهم لنصب افخاخهم للايقاع بالعصافير والقبرات ، كانت ملابس احمد دومأ متسخة ببقع الطين الجاف ، يخجل منها حين يرى سروايل وقمصان صبيان الحارة النظيفة ، يتوارى عنهم، ويختبىء بين اكياس التبن ، يصرخ عليه والده ليناوله كيسأ من التبن لرشه على الطين ، واحيانأ يصيح عليه لاحضار دلو ِ ماء لزيادة الخلطة ليونة ولزوجة ، يقضي احمد يومه بين حمل اكياس التبن ومناولة دلاء الماء وصف الطوب الجاف .
تدرج احمد من الصبا الى الشباب ، ومدرسة المخيم غير بعيدة عن داره ، يعرفه اولاد صفه انه ابن " مطاوع " وكلما تقدمت به الايام يلفه الخجل ويتاكل من الداخل ، يتعمق في داخله شرخ طويل لحياة بائسة ، بدأ يعي قسوتها مبكرأ، تعمق الشرخ كغورٍ سحيق في نفسه لعجز والدته المصابة بشلل نصفي ، فكها ملتو ٍلا تحسن معه الكلام ، والعرج في رجلها اليسرى اقعدها عن المشي ، لا تقوَ على خدمة والده او معاونته في عمله ، كان "مطاوع"بعد عجن الطين وصبه ، يشتغل في تحضير الطعام لزوجته وابنه ، يشعل النار في تنكة مستطيلة مكشوفة من اعلاها ، يملأها حطبأ وخشبأ ، يتطاير منها الدخان والشرر والسناج الاسود ، يخلع جزمته من رجليه فتفوح منها رائحة اشبه برائحة حفرة امتصاصية، تزكم انف احمد وامه ، يفر احمد هاربأ ، يعتلي اكياس التبن حتى تنتهي سحابة تلك الرائحة النتنة ، التي تغزوهم كل ليلة ، يضع مطاوع دلو الماء لتسخينه على تنكة النار بعد ان يهدأ لهيبها ودخانها، ليزيل الطين عن يديه ورائحة رجليه ، يلتصق السناج المتطاير من السنة اللهب، بجدران الغرفة وسقفها حتى تبدو كأنها متشحة من داخلها بالسواد، من ارضيتها حتى سقفها حتى عيدان القصب في السقف تبدو كقضبان من الفحم .
تربى احمد بين الطين والتبن والسناج ، يخالجه الحزن ويعصر قلبه حال والديه ، اليأس تسلل الى نفسه كلص ٍ يومأ بعد يوم ، يتضخم وينخر أعماقه بمزيد من ألآسى المتشكل كقوالب الطوب ، واصل احمد الذهاب للمدرسة بتردد وعلى خجل ، تفهمت المدرسة حالة احمد واحواله ،حتى تخرج منها بصعوبة، وحصل على معدل متدن ٍ في الثانوية العامة ، أصر "مطاوع" على تعليم ابنه ، حتى لا تجور عليه الايام ،وحتى لا يعمل بالطين والطوب ، صمم على تعليمه في الجامعة ، فرِحَ "مطاوع " لسفر ابنه الى مصر والتحاقة باحدى جامعاتها ، وأشاع بين جيرانه ان احمد فرّج الله همّه وسجّل بالجامعة ، وانه سيدعمه ولو افنى ما تبقى من عمره في عجن الطين وصب الطوب ليلأ ونهارأ ، يرسل لابنه ما أستطاع وتيسر من دنانير قليلة ،عاش احمد في غربته على التقشف ،كما إزدادت حياة "مطاوع " تعاسة وشقاءأ . أنهى احمد عامه الاول في الجامعة ، غمره الشوق لوالديه في الصيف ، حضر لزيارتهم ، لكنه صُعق عند مركز الحدود والجوازات للتحقيق معه عن اسباب سفره الى مصر وقدومه للبلاد، آنذاك كانت الأخوة والود بين البلاد العربية متلاشية ، وبين مصر وغيرها من الدول العربية كانت العلاقات في مطلع الستينات من القرن الماضي متوترة وغير اعتيادية .
اسمك : احمد ، اسم والدك : مطاوع ،عمل والدك : عجن الطين وصب الطوب ، ما اسباب سفرك الى مصر : الدراسة ، يا كلب ما في مكان اخر تدرس فيه غير مصر ، حُجز جواز سفره وفرضت عليه الاقامة الجبرية ، وطلب منه مراجعة الدوائر الامنية يوميأ لاثبات حضوره .
مُنع احمد من السفرللالتحاق بجامعته، بحجة ان الهدهد قد سَربَ معلومات عنه، انه يدرس في كلية معظم طلابها حزبيون ، ومؤيدون لسياسة مصراتجاه العديد من الدول العربية .
بقي " مطاوع " يعجن الطين ويعجن معها حرقة قلبه ومرارة عيشه ، واحمد يجلس القرفصاء قبالته معظم اليوم ، يقضم حزنه وفقره ، حزن هلامي سيطر على كل مسامه ، الاب الحزين على ابنه َكفّ عن طلب مساعدته في احضار اكياس التبن او دلاء الماء ، الوالدة قابعة داخل الغرفة السوداء مثل الشبح ، والوالد يرتشف حبات العرق المتصبب من جبينه تحت الكوفية ،ينظر احمد لوالده وهو ينهار كبنيان متصدع ، بينما الصمت عالمه ، والشقاء دنيا والده ، والعجز حياة والدته ،يتمنى لو لم يُخلق ، او تنشق الارض لتبتلعه، ، لو كان الامر بيده لحرق العالم كله وحوله الى رماد ، ، اسودت الدنيا في عينيه ، الهدهد قضى على كل فرصة له في الحياة كان يتمنى تحقيقها ، تمنى قتلُ او حرقُ كل الطيور في العالم بما فيها الهدهد . ماتت والدته، ومات معها سنده الضعيف ،وأمله في مساعدتها وانتشالها من بحيرة اللون الاسود القابعة فيها ،احمد انتكس وفقد اعصابه ووهنت انسانيته ، لم يعد قادرأ عمل شيىء سوى رغبته الجامحة في العودة للجامعة ، كل يوم يبكي بكاءأ موجعأ ... بكاء المقهور ... المظلوم ، يردد في داخله: ما الذنب الذي اقترفته في الجامعة ؟ يكلم نفسه دون ان يسمعه أحد : انا ضحية السياسة ، ضحية العدواة بين بلدين ، يكرر ذلك كل يوم وكل ساعة ، وكل ليلة،حتى بدأ يهذي بشيىء من الجنون ، أخذ يحرث امام منزله جيئة وذهابا ،على مرآى من عيني والده ، الذي حاول ان يطفىء لظى قلبه المحترق عليه بجبل الطين ، كما جبل القهر والظلم وحيده احمد، داسته عجلات الحياة وجارَ عليه الهدهد ، يقضي احمد يومه يمشي كبندول الساعة امام داره واضعأ يديه في جيوبه ، يتحرك في خط مستقيم، حتى تلاشى احساسه بالوقت امام البيت كثور الساقية ، فقد شهيته للطعام ، سكت عن الكلام كالاخرس ، غرق في صمت محيطي ، طالت لحيته ، واتسخت ملابسه بالسناج ، تفوح منها هبات من رائحة الخشب المحترق ، عندما يحل الظلام يدخل احمد الغرفة فيمتزج لونهما، وعند الصباح استيقظ احمد كالعادة ،لكن مطاوع لم يقم من فراشه ،وبقي الطين المجبول من غير صب ، ترك احمد تجتره اكياس التبن وعجين الطين ، العذاب والالم الملازمان له ليلا ونهارأ يطحناه ، والطوب الجاف بقي على باب الدار سطرا سطرا ، وسكت مطاوع للابد .
أَمطرَ الأسى ايامه بمزيد من الانزواء والانسحاب من واقعه ، موت والده عذبه وسحبه للوراء بشدة ، لكن عذابه الاكبر فقدِ الامل والرجاء بالحياة ، لم يعد له حرية ، أحس بشيىء غريب حتى وهو فاقد الوعي بواقعه، انه المذنب الذي قتل والديه، لعجزه تقديم ما يخلصهما من الفقر والبؤس والطين والغرفة السوداء . بقي احمد يحرث الارض امام البيت يسلك الخط المستقيم ، الذي رسمه لخطواته ، جيئة وذهابأ من الفجر حتى منتصف الليل، حتى غدا هيكلأ بشريأ متداعيأ ، يفتح باب الدار المتهالك ، يدخل الغرفة السوداء ، يفتش بلا وعي ٍعن والديه، يخرج للشارع مروعأ مهرولأ ،يمشي خطواته ليبدد بقايا يومه ، يرفض اية مساعدة من الجيران لصعوبة حالته، لفظته الايام بعد ان التقمه الحزن والاحباط والفقر والهدهد
إنكمشَ احمد ونحل جسده يومأ بعد يوم ، تهالك كجدران متصدع ، لتوقفه عن الاكل والشرب ، انزوى في الغرفة السوداء التي غاب عنها والديه ، إفتقده الجيران وأفتقدوا ظله امام الدار ، وجدوه غارقأ في الموت جثة هامدة ، مات احمد دون ان يحقق الهدهد هذه المرة في سبب وفاته .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
asma
صاحبة الموقع
صاحبة الموقع
asma


انثى
تاريخ التسجيل : 19/11/2011
الموقع jewel.yoo7.com

الهـــدهــــد Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهـــدهــــد   الهـــدهــــد Emptyالأحد أبريل 01, 2012 1:51 pm

ألف شكر لك على المجهود الكبير

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://jewel.yoo7.com
asma.asouma
عضو مشارك
عضو مشارك
asma.asouma


الهـــدهــــد 1343127807562
انثى
تاريخ التسجيل : 05/03/2012
العمر : 37

الهـــدهــــد Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهـــدهــــد   الهـــدهــــد Emptyالأحد أبريل 01, 2012 2:48 pm

من أروع ما قرأت أختي

الهـــدهــــد 362765097
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر




الهـــدهــــد Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهـــدهــــد   الهـــدهــــد Emptyالثلاثاء أبريل 03, 2012 3:55 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

شكرا لك انها قصة في غاية الروعة سلمت يداك

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الهـــدهــــد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الجوهرة للتعليم ::  منتدى الأدب والشعر :: القصص الأدبية-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» مشروع الإنجليزية حول الأنترنت للسنة الأولى ثانوي
الهـــدهــــد Emptyالأحد يناير 07, 2018 11:17 pm من طرف dreams

» كتاب عادل نعيجي في الرياضيات للسنة الثالثة ثانوي
الهـــدهــــد Emptyالثلاثاء يناير 02, 2018 2:29 am من طرف dreams

» منبر العلوم الفيزيائية لاستاذ قزوري عبد القادر
الهـــدهــــد Emptyالثلاثاء يناير 02, 2018 1:38 am من طرف dreams

» بحث حول فن الحوار
الهـــدهــــد Emptyالإثنين يناير 01, 2018 2:02 am من طرف dreams

» شرح موقع Adf.ly وطريقة الربح السريع
الهـــدهــــد Emptyالأحد ديسمبر 31, 2017 4:24 am من طرف dreams

» كتاب تعلم السياقة
الهـــدهــــد Emptyالأحد ديسمبر 31, 2017 4:20 am من طرف dreams

»  نماذج امتحانات للسنة الاولى ابتدائي
الهـــدهــــد Emptyالثلاثاء ديسمبر 30, 2014 12:00 am من طرف طيمومي

» des sujets de composition 5eme annee
الهـــدهــــد Emptyالأحد نوفمبر 09, 2014 4:33 pm من طرف elsami

» مذكرات التخرج في تخصص التاريخ
الهـــدهــــد Emptyالخميس أكتوبر 09, 2014 12:54 am من طرف faso

» TOUTES LES FICHES de français DE 3 ,4 ,5 ANNEE PRIMAIRE 2011 2012
الهـــدهــــد Emptyالسبت سبتمبر 20, 2014 5:47 pm من طرف djilalio

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم